الاطفال والاصابات العارضة
Children & Accidental Injuries
________________________________________
منذ وقت ولادته، يعتمد الطفل على والديه اعتماداً كلي في الحصول عالى الحاجات الأساسية والمتطلبات الرئيسية للحياة، من أكل وشرب ورعاية، ثم يتطور هذا ليشمل جوانب اخرى كالتربية والتأديب. ورعاية الابوين يجب ألا تقتصر على هذا الحد بل تمتد لتشمل حماية الطفل من الأخطار المحيطة به وإبعاد عن مصادرها وتجنيبه حوادثها.
ان هذا النوع من الرعاية " منع المخاطر والمكاره " لا يقل أهمية عن توفير "دفع الصحة والتطور"(promoting normal health and development)، فهذة السلامة الطفل تعني منع وقوع المرض والقيام بالكشف الطبي الدوري للطفل السليم للتأكد من نموه وتطوره والكشف عن المبكر عن الامراض وزيادة الوعي الصحي للابوين وتوجيههما الى وسائل منع الامراض والحوادث التي قد تصيب الطفل. ان الاهتمام بهذا الجانب يكاد يكون غائبا في مجتمعاتنا العربية سواء على مستوى المؤسسات التي تقدم الرعاية الطبية (اطباء ومستشفيات وكليات طب ومراكز طبيه وغيرها) او على مستوى الاهل. وهو مقتصر في هذه المجتمعات على "العلاج " لا على " الوقاية" حتى وان تغنينا كثيرا بالمثل العربي"درهم وقاية خير من قنطار علاج ".
ان منع الخطر اهم من علاج الاثار الناجمة عنه لأسباب عديدة منها مل يلي:
- قد تودي الحوادث الى الوفاة بنسبة لا يستهان بها، وان منع وقوع الحوادث يؤدي الى تقليل معدل الوفيات الناجمة عنها بين الاطفال. وهذه تشمل حوادث الغرق والحرق والدهس والصعق الكهربائي والسقوط من مكان عال وغيرها.
- قد يؤدي الحادث الى اصابة شديدة ولكن تستمر معها "الحياة النباتية"
[vegetative State] وهي حياة يتعطل فيها كل الجهار العصبي الارادي من حركة ومشي وكلام وادراك ووعي وتعلم وتفاعل واع. ويحصل هذا في حوادث الغرق الوشيك
near drowning] [ والدهس والتسمم.
- احيانا تؤدي الحوادث الى تلف شديد لعضو ما ( كبتر طرف من الاطراف في حادث سير، او تلف الكبد في حال تسمم دوائي) مع الابقاء على حياة معتلة بمرض شديد.
- قد لا يهدد الحادث حياة الطفل، ولكن قد يؤدي الى فقد وظيفة عضو هام السمع او البصر او النطق او شلل احد الاطراف او جزء منها، مثل اصابات الرأس والحوادث الناجمة عن الالعاب النارية او التسمم الكيماوي.
- تؤدي بعض الحوادث التي تؤثر على احد الحواس الخمس الى تأثر النطق او القدرة على التعلم أو الفهم او الادراك او القراءة او الكتابة، وهي وسائل هامه جدا في حياة الانسان، وبواسطتها يتفاعل مع كل من حوله سلبا ايجابا، أخذا وعطاء، انتاجا وابداعا.
- بعض الحوادث تؤدي الى اصابات ذات تأثير "نفسي سلبي دائم": مثل تشوه الجلد الناجم عن حرق بوجه او رقبة أو ذراعي أو ساقي طفلة صغيرة.
- وقت وقوعها تكون الاصابات والحوادث مؤلمة جسديا ونفسيا للطفل، ويظل الالم النفسي مصاحبا للطفل طوال حياته، بما فيها لحظات الحادث(حسب عمره) وما صاحبها من تلقي العلاج ومشاعر والديه واضطراب وضع الاسرة وقتها.
- قد تؤدي بعض الحوادت الى اصابات تؤثر سلبا على الطفل من الناحية الاجتماعية، كالاحساس بالعزلة.
- قد تؤدي بعض الحوادث الى اصابات تفرض على الطفل عدم القدرة على ممارسة مهنة معينة او رياضة معينة.
- يأخذ علاج الاصابات والحوادث وما يتبعه من تأهيل وعلاج طبيعي وقتا طويلا من وقت الاهل كان يمكن توفيره لجوانب أخري في حياة الاسرة.
- يحتاج علاج الاصابات جهدا جسديا كبيرا و لربما أستنفذ قدرات الاهل الجسدية اليومية عند اصابات تؤدي الى اعاقة دائمة كالشلل التام الناتج عن اصابات الدماغ او الحبل الشوكي في حوادث الدهس او السقوط او التسمم.
- العلاج الطبي للاصابات يستنزف الامكانات المالية للاسرة لا سيما عند وجود علاج طبي أو تاهيل طبيعي او وظيفي وغيره لشهور او سنوات. والتكلفة المالية تكون مباشرة بما ينفق على الكشف الطبي والمستشفيات والفحوصات المخبرية والشعاعية والادوية والتأهيل والاجهزة المساعدة كالكراسي المتحركة والعكازات، أو ما يكون غير مباشر من تغيب احد الابوين، أو كليهما، عن العمل بغرض المتابعة الطبية والعلاج ونفقات المواصلات. وفي كثير من الاحيان يحصل هذا في عدم وجود نظام تأمين صحي او خدمات طبية حكومية الدعم.
- على مستوى المجتمع، تشكل الاعاقات الناجمة عن الحوادث جهدا يفرض على المجتمع انفاق مبالغ طائلة من المال والجهد و وتوفير الكفاءات المتخصصة لها وتوفير معدات ووضع برامج للتعامل معها، ان منع وقوع هذه الحوادث والاصابات بنشر الوعي الصحي وثقافة " منع المخاطر والمكاره " في المجتمع اجدى بكثير (more cost-effective) من ترميم نتائجها على المجتمع ومحاولة التخفيف من أثارها على الطفل المصاب واسرته.
من هنا يتأكد جليا ان منع الخطر أهم من تتبع علاج الإصابات الناجمة عن الحوادث، وأن الوقاية من الأخطار، أجدى بكثير للأطفال من علاجها. ولربما ترك حادث ما اصابة دائمة لا يستطيع العلاج الطبي التقليل من اثرها فضلا عن اصلاحها او اعادة الجسم لحالة ما قبل الحادث. ان منع وقوع حادث في المنزل كأنسكاب ماء مغلي او ابتلاع كمية كبيرة من دواء بعمل اجراءات "بيئة طفل آمنه" (child-proof home)يحول دون تلف شديد ودائم في جلد الوجه او الساقين لا يمكن ان يتم تعويضه بجلد جديد سليم، و وكذلك ابتلاع دواء قد يؤدي الي تلف دائم في الكبد او الامعاء او الكلى او الجهاز العصبي ان بقى الطفل حيا.
إننا كآباء وأمهات نقلق جداً ونهرع للطبيب عندما يصاب الطفل بحمى أو تقيؤ، ولا غضاضة في هذا، بل يجب أن يمتد شعورنا هذا ليشمل حرصاً ويقظةً دائمين على تجنيب الطفل كافة الأخطار والحوادث التي قد تصيبه، وأن نحاول التقليل من وقوع الطفل فيها ما أمكن. وإن حصلت فهذا أمر لا بد منه أن تكون بأقل الإصابات. إننا نود أن يتساوى شعورنا في كلا الحالتين: علاج المريض، والمحافظة على الطفل السليم، وأن نعمل ما يمكننا عمله، دون أن نغال في المحافظة، بل في حد المعقول دون الوصول إلى مرحلة الوسواس والإفراط وتقييد حياة الطفل تماماً.
إن مكامن الخطر قد تكمن في " البيئة الصغيرة" بيئة البيت أو الحديقة أو تأتي من "عالمه الخارجي" كالشارع والمدرسة. وأن هذه الأخطار المختلفة قد تتسبب بإصابات متفاوتة الشدة، إذ ربما يودي بعضها بحياة الطفل على الفور كحوادث الدهس أو التسسم العرضي او السقوط من علو. إن الحوادث التي قد يتعرض لها الطفل كثيرة، وعندما نقول حوادث أو حادثة فإنا لا نقتصرها على حوادث السير، بل هي تمتد لتشمل أي اعتلال ناجم عن تعرض الطفل لخطر غير متوقع كالغرق والحرق والتسمم والتردي والاختناق وغيرها.
ولفهم أسس حماية الطفل من الحوادث وإبعاد الأخطار عنه، لا بد لنا من فهم العناصر الرئيسية الثلاثة في أي حادث وهي:
1. الطفل: وهو العنصر الأهم والطرف المتضرر
2. الخطر: وهو العامل المؤثر على الطفل.
3. البيئة والظروف المواكبة وقت الحادث.
فالخطر هو العامل المؤثر في إصابة الطفل, وهو عادة أحد المواد المستعملة النافعة للمنزل, ولكن تعرض الطفل له يتسبب بأضرار متفاوته : فالماء الساخن والطعام الساخن والمكواة والأدوية والمنظفات الكيماوية والأسلاك والتوصيلات الكهربائية .
أما البيئة والظروف المواكبة وقت الحادث فيقصد بها ببيئة البيت والحديقة والشارع, ويمتد هذا المفهوم ليشمل المدرسة وأي مكان قد يتواجد الطفل فيه.
أن أكثر الحوادث التي تقع للأطفال دون الخمسة تقع في البيت. فقد أظهرت بعض الدراسات أن أكثر من 30 بالمئة من الأطفال معرضون لحادث واحد في البيت : كالاختناق أو الحروق أو الصعق بالتيار الكهربائي أو التسمم بالأدوية والمواد الكيماوية أو الغرق. وكثيراً ما يصل الطفل إلى مصدر الخطر في غفلة من الأهل أو نسيانهما أخذ الحيطة والتنبه لإمكانية حصول الحادث لتصور الأبوين عدم مقدرة الطفل الوصول إلى المادة الخطرة, أو لعدم إدراكهم مدى خطورة المادة الضارة أو لحسن ظنهم بالطفل وأنه "يختلف عن أطفال الآخرين". فمثلاً ترك الأم لطفل صغير لا يتجاوز السنتين يلبس رأسه كيس نايلون, يضعه فوق رأسه وحول عنقه, قد يتسبب في خنقه خلال دقائق قليلة جداً دون أن يستطيع أحد إنقاذه وأن ترك الأم لصغيرها في حوض الاستحمام وحيداً ولو للحظات قد يعرضه للحروق إذا فتح صنبور الماء الحار أو يتعرض للغرق. إن وضع الأدوية قريباً من متناول الأطفال عادة خطرة, اذ يظن الأهل أن طفلهم يختلف عن الأطفال الآخرين فهو أكثر تعقلاً وأحسن انضباطا ليفاجأهم بتناول بعض الأقراص منها.
إن التنبه والحذر الدائمين لإمكانية حصول الحوادث ومحاولة منع وقوعها أجدى بكثير من علاج نتائجها أما بعض الحوادث التي تقع للأطفال وتحتاج إلى تعريف بسيط فيما بعد:
1. حوادث الاختناق.
2. حوادث الحروق.
3. حوادث التسمم.
4. حوادث السقوط والتردي
5. حوادث استنشاق الأجسام الغريبة.
6. حوادث السير والأعيرة النارية.